وهم الاختيار- هل نملك حقًا حرية القرار؟
المؤلف: أسامة يماني10.25.2025

هل حقًا نتمتع برفاهية الاختيار المطلق؟ سؤال جدير بأن يطرحه المرء على نفسه بتعمق وتفكر. إنّ إمعان النظر والبحث المتجرد قد يقودان إلى استنتاج مفاده أنّ رفاهية الاختيار ما هي إلا وهم زائف أو أسطورة بعيدة المنال، لا يدركها الإنسان على حقيقتها ولا يعي أبعادها الحقيقية. والسبب في ذلك يكمن في أنّ الإنسان، سواء بقصد واعٍ أو بغير وعي، ينزع بطبيعته إلى التحيّز والميل نحو ما يألفه ويعتاده، وينأى بنفسه عما يختلف معه أو يجهله. ولهذا فإنّ جلّ قراراته تتأثر بالتحيزات الكامنة فيه. وقد سبق لي أن أشرت في مقال سابق تحت عنوان (التحيّز الداء الخفي) إلى أنّ التحيّز، في جوهره، هو ميل فطري نحو تفضيل أو معارضة فكرة ما، أو كائن ما، أو مجموعة معينة، أو حتى فرد بذاته. وغالبًا ما يكتسب هذا التحيّز من خلال عملية التعلم والتنشئة الاجتماعية، ويتأثر بشكل كبير بالعديد من المتغيرات الحاسمة، كالوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد، وعرقه، وجنسه، وخلفيته التعليمية، وغير ذلك من العوامل المؤثرة. وبناءً على ذلك، يمكن القول بأنّ الإنسان قد لا يمتلك حقًا رفاهية الاختيار المطلق كما يتصور. وقد قيل بحكمة: "هناك تحيّز جليّ وواعٍ، وتحيّز خفيّ وكامن غير واعٍ، وهناك تحيّز حاد وقوي، وتحيّز متوسط القوة أو ضعيف، حيث يتم التركيز بشكل انتقائي على أفكار محددة دون غيرها، وهناك تحيّز معاكس لهذا حيث يتم الانحياز إلى عدد من الأفكار التي تنتمي إلى أنساق معرفية مختلفة ومتناقضة ويتم تبنيها جميعها، وهناك تحيّز كلي وآخر جزئي، وهناك تحيّز ليس له نظير في الحضارات السابقة، وهو تحيّز واقعنا المادي الذي نعيشه، وهناك تحيّز داخل التحيّز، ضدنا، الذي يفرض علينا أنماطًا من السلوك تتناسب مع المنظومة القيمية الغربية المهيمنة، مثل السرعة المفرطة، والكفاءة العالية، والتنافس الشرس". إذن، لن يتمكن المرء من التمتع باختيار كامل وحر ومستنير في ظل الأطر المعرفية التي تحدد مسارات تفكيره أو منظومة القيم الغربية التي تهيمن على حياتنا وتوجه سلوكنا.
إنّ الاختيار في كثير من الأحيان ليس إلاّ وهماً نصنعه بأنفسنا، لتقرير مسارات الآخرين الذين يسلكون نفس الطريق أو النهج أو يقبلون على اقتناء نفس السلع، دون وعي حقيقي وإدراك كامل. ولكن إذا استطاع الإنسان أن يدرك هذه الحقيقة ويعيها حق الوعي، فإنّ خياراته ستكون عندئذٍ أقل تأثرًا بالعوامل الخارجية الأخرى، مثل التعليم الموجه، والدعاية المغرضة، والقناعات الموروثة، والقيم التي يتلقاها دون فحص دقيق وتمحيص عميق وتأمل متأنٍ.
إنّ الاختيار حلم يراود الإنسان الذي يظن واهمًا أنه يمارس حريته بوعي كامل، ويتخذ قراراته عن قصد وتصميم، بينما في واقع الأمر أن خياراته تلك تفرضها عليه حتمية جغرافية المكان الذي يعيش فيه، والثقافة التي نشأ عليها، والعرق الذي ينتمي إليه، والجنس الذي ولد به، والوضع الاجتماعي والوظيفي الذي يشغله، والحالة الصحية التي يعيشها، وغير ذلك الكثير من الأمور التي قد لا يكون للإنسان أي اختيار حقيقي فيها، وإنما فرضت عليه قسرًا قبل أن يتشكل وعيه وإدراكه. ولهذا فإنّ الإنسان في حقيقة الأمر بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في كلّ ما يعتقد أنه من المسلمات البديهية أو يظن أنه حقيقة مطلقة لا تقبل الجدال، وذلك من خلال التشكيك البناء والتفكير النقدي المتعمق والنظر الفاحص، الأمر الذي يمكن أن يساعد الإنسان على إعادة صياغة مفهوم الاختيار لديه وتطويره بشكل مستمر، سعيًا لتحقيق حلمه المنشود في صنع قراراته بنفسه، بعيدًا عن تأثير المؤثرات الخارجية التي تحيط به من كل جانب.
ومع ذلك، يذهب بعض المفكرين إلى القول بأنّ "الاختيار في حقيقته معدوم الوجود تمامًا، وإنما تصرفاتنا ما هي إلا نتاج قوانين مرتبة نعرفها، ومصادفات واتفاقات قد تسير وفق قوانين أخرى لا نعلمها". وهذا الرأي المتطرف يقودنا إلى جدل فلسفي قديم قدم التاريخ، شغل العقل الإنساني على مر العصور، ولا يزال الشغل الشاغل للفلاسفة والمفكرين حتى يومنا هذا. وقد عرف هذا الجدل قديمًا بمسألة القدر والجبر، وهي الفكرة التي تبنتها الدولة الأموية في عهدها، وراح ضحية لها العديد من العلماء والزهاد، وعلى رأسهم الورع التقي غيلان الدمشقي.
إنّ فلسفة الاختيار هي بلا شك موضوع متشعب ومعقد للغاية من الناحية العملية والتطبيقية، إذ يتشابك ويتداخل بشكل وثيق مع مفاهيم أخرى كالتحمل بالمسؤولية، والسلوك القويم، والأخلاق الحميدة. فالاختيار الحقيقي هو وعي وإدراك عميق، وشك بناء، وتمحيص دقيق، وتدقيق متأنٍ. فاختيار العقل المستنير هو الضوء الساطع الذي قد يوصلنا يومًا ما إلى فهم أعمق لبعض جوانب مفهوم الاختيار المعقد والمتشابك.
إنّ الاختيار في كثير من الأحيان ليس إلاّ وهماً نصنعه بأنفسنا، لتقرير مسارات الآخرين الذين يسلكون نفس الطريق أو النهج أو يقبلون على اقتناء نفس السلع، دون وعي حقيقي وإدراك كامل. ولكن إذا استطاع الإنسان أن يدرك هذه الحقيقة ويعيها حق الوعي، فإنّ خياراته ستكون عندئذٍ أقل تأثرًا بالعوامل الخارجية الأخرى، مثل التعليم الموجه، والدعاية المغرضة، والقناعات الموروثة، والقيم التي يتلقاها دون فحص دقيق وتمحيص عميق وتأمل متأنٍ.
إنّ الاختيار حلم يراود الإنسان الذي يظن واهمًا أنه يمارس حريته بوعي كامل، ويتخذ قراراته عن قصد وتصميم، بينما في واقع الأمر أن خياراته تلك تفرضها عليه حتمية جغرافية المكان الذي يعيش فيه، والثقافة التي نشأ عليها، والعرق الذي ينتمي إليه، والجنس الذي ولد به، والوضع الاجتماعي والوظيفي الذي يشغله، والحالة الصحية التي يعيشها، وغير ذلك الكثير من الأمور التي قد لا يكون للإنسان أي اختيار حقيقي فيها، وإنما فرضت عليه قسرًا قبل أن يتشكل وعيه وإدراكه. ولهذا فإنّ الإنسان في حقيقة الأمر بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في كلّ ما يعتقد أنه من المسلمات البديهية أو يظن أنه حقيقة مطلقة لا تقبل الجدال، وذلك من خلال التشكيك البناء والتفكير النقدي المتعمق والنظر الفاحص، الأمر الذي يمكن أن يساعد الإنسان على إعادة صياغة مفهوم الاختيار لديه وتطويره بشكل مستمر، سعيًا لتحقيق حلمه المنشود في صنع قراراته بنفسه، بعيدًا عن تأثير المؤثرات الخارجية التي تحيط به من كل جانب.
ومع ذلك، يذهب بعض المفكرين إلى القول بأنّ "الاختيار في حقيقته معدوم الوجود تمامًا، وإنما تصرفاتنا ما هي إلا نتاج قوانين مرتبة نعرفها، ومصادفات واتفاقات قد تسير وفق قوانين أخرى لا نعلمها". وهذا الرأي المتطرف يقودنا إلى جدل فلسفي قديم قدم التاريخ، شغل العقل الإنساني على مر العصور، ولا يزال الشغل الشاغل للفلاسفة والمفكرين حتى يومنا هذا. وقد عرف هذا الجدل قديمًا بمسألة القدر والجبر، وهي الفكرة التي تبنتها الدولة الأموية في عهدها، وراح ضحية لها العديد من العلماء والزهاد، وعلى رأسهم الورع التقي غيلان الدمشقي.
إنّ فلسفة الاختيار هي بلا شك موضوع متشعب ومعقد للغاية من الناحية العملية والتطبيقية، إذ يتشابك ويتداخل بشكل وثيق مع مفاهيم أخرى كالتحمل بالمسؤولية، والسلوك القويم، والأخلاق الحميدة. فالاختيار الحقيقي هو وعي وإدراك عميق، وشك بناء، وتمحيص دقيق، وتدقيق متأنٍ. فاختيار العقل المستنير هو الضوء الساطع الذي قد يوصلنا يومًا ما إلى فهم أعمق لبعض جوانب مفهوم الاختيار المعقد والمتشابك.
